Night Vol &عضو برونزي&
عدد المساهمات : 88 تاريخ التسجيل : 16/10/2009
| موضوع: قصة البقرة الأربعاء نوفمبر 11, 2009 3:45 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. العنصرية بين الأسباط: بدأ بنو إسرائيل يستوطنون ويستقرون ويعيشون في صحراء النقب والأردن. وقسموا إلى اثنتي عشرة قبيلة. ولكن يبدو أنهم غير متفقين وغير متحدين، ولذلك كان لكل قبيلة عين مياه وغمامة خاصة بهم. وسيدنا موسى يعلم جيدًا أنه لن يستطيع أن يوحدهم جميعًا؛ لأنه واقعي ويعرف طبائعهم، لذلك تعامل معهم على أن تعيش كل قبيلة بمفردها، فهو يحاول أن يُجمعهم بدون أن يحدث قتال أو تشابك بينهم. فهناك فرق كبير بينهم وبين المهاجرين والأنصار، فالأسباط لن يستطيعوا أن يندمجوا أو يتحدوا مع بعضهم أما المهاجرون والأنصار استطاعوا أن يتآلفوا ويندمجوا ويتحدوا في وقت قصير. وفي ذلك الوقت حدثت القصة "بقرة بني إسرائيل" التي ذُكرت في القرآن، وسُميت بها أكبر وأول سورة في القرآن بعد سورة الفاتحة "سورة البقرة". ونكمل القصة كي نعرف ماذا حدث بين الأسباط، وكيف حدثت فتنة كبيرة، ولماذا سُميت سورة البقرة. صفات البقرة: كان هناك رجل صالح فقير يعيش مع ابنه الصغير وزوجته، وكان لديه بقرة هي كل رأس ماله. كانت هذه البقرة لديها صفات خاصة ونادرة، وكان الرجل يعلم ذلك، فكانت صفات البقرة هي: 1. {... صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا ... } (البقرة: 69) لونها أصفر مميز وجميل جدًا. 2. {... عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ... } (البقرة: 68) صغيرة في السن، فهي ليست عجوزًا ولا بكرًا. 3. {... لاَّ شِيَةَ فِيهَا ...} (البقرة: 71) ومع لونها الأصفر الجميل ليست فيها أي خدوش أو تعريجات كأنها لوحة جميلة مرسومة. قصة الرجل الصالح مع البقرة: كان الرجل فقيرًا لا يمتلك من الدنيا شيئًا سوى هذه البقرة، ولم يكن لديه حقل كي تعيش فيه البقرة، فكان يعتني بها، لذلك كانت البقرة تعيش حياة رغدة غير قبيحة أو فاسدة، ووصى الرجل زوجته وابنه قبل أن يموت بأن لا يبيعوا هذه البقرة حتى تكبر، وعندما تكبر فليفعلوا بها ما يشاءون، وقال وهو يموت: "اللهم إني أستودعك هذه البقرة لابني؛ فاحفظها له يا رب العالمين". الابن لن يُقدّر جيدًا قيمة البقرة، ولكنه بارٌ بوالده لأنه رجل صالح. انتبهوا من شيء عجيب! كلمة "الرجل الصالح" متكررة في القرآن مثل القصة التي نتحدث عليها، وقصة سيدنا موسى والخضر والأب الذي ترك لأبنائه الأيتام كنزًا، وقد حافظ الله عليه حتى بعد موته بسنين؛ لأنه رجل صالح. لاحظوا كل قصة أب صالح يموت ويحفظه الله بعد موته فيما يترك تحدث مع بني إسرائيل، كأن الله يعلمهم عدم الذل والخوف. إذا كنت رجلًا صالحًا ومؤمنًا لا تخف، إن الله سيحفظ لأبنائك كل شيء. بر الابن الصالح لوالده: مات الرجل الصالح، وترك لابنه البقرة. وبدأ الابن الوفي ووالدته يعانون من حياة صعبة؛ لأنهم فقراء لا يملكون من الحياة سوى هذه البقرة، وظهر مُشترون يريدون شراء هذه البقرة. وأرادت الأم تحت ضغط الحياة الصعبة أن تبيع البقرة، فقال لها ابنها: "أنسيتِ وصية أبي؟!" فرفضت الأم أن تبيع البقرة، وعندما علم المُشتري ذلك ذهب إلى الابن وقال له: "أعطيك ألف دينار ثمن هذه البقرة؟" فرفض الغلام. فقال المُشتري: "أعطيك عشرة آلاف"، فقال له: "والله لو أعطيتني وزنها ذهبًا"، أرأيتم بر الابن لوالده حتى بعد موته؟ لدي نصيحة للأبناء الذين عندما يموت آباؤهم يبيعون العمارة التي دفع الأب فيها جميع أمواله كي يجمع العائلة فيها، والذين يبيعون المصنع الذي وصى الأب أن يكونوا شركاء فيه، والذين باعوا جميع أملاك والدهم. يا أبناء، إذا مات والدكم، وترك لكم وصية، فأكبر البر والوفاء أن توفوا بوصية والدكم. فالقصة الآن تنقسم إلى: ابن بار وأسرة وفية وأب صالح. ولكن القصة تظهر لك العكس تمامًا في نفس الأحداث كي ترى التناقضات. الابن العاق والابن الصالح: كبر الابن الصالح، ولكن كان في نفس الوقت شاب آخر في قرية أخرى في منطقة البتراء بمدينة الأردن حاليًا. وكانت كل قرية يعيش فيها سبط من الأسباط كما ذكرنا سابقًا، كان هذا الشاب عكس الابن الصالح تمامًا. كان هذا الشاب فقيرًا ومات والده، وكان لديه عم غني جدًا. وهذا العَم لديه فتاة، وبالتالي سيكون وريثًا لعمه. فكان عمه لا يعطيه أموالًا إلا قليلًا جدًا؛ لأنه رأى أنه شاب أهوج وطائش، لذلك كان يعطي له المال من وقت إلى آخر. ولكن الشاب لم يعجبه هذا، فكان هناك اختلاف في الصفات بين الشاب والابن الصالح؛ فالشاب أهوج وجشع وطماع وغير متأنِ وطائش، وكان الابن متأنِ بارًا بوالديه ويصل رحمه. بالرغم أنهم مشتركون في الفقر ووفاة الأب. وبدأ يفكر الشاب أنه وريث عمه، وإذا تزوج ابنته سيصبح غنيًا وسعيدًا، ولكن من الذي يقف أمام سعادته؟ عمه، ففكر أن يقتل عمه ثم يتزوج ابنته ويأخذ أمواله، لاحظوا الفرق، فالشاب قاطع لرحمه والابن بار بوالده، وهذه النوعيات " البار والعاق" منتشرة في بلدنا. خطة الشاب لقتل عمه: وبدأت الفكرة تكبر عند الشاب حتى قرر أن يقتل عمه، ولكن كيف يقتله؟ فشريعة سيدنا موسى تقول: إن العين بالعين، والنفس بالنفس، فإذا قتل عمه سيُقتل، ففكر في حل آخر وهو أن يقتل عمه وتلصق عملية القتل في شخص آخر، ولكن كيف يفعل هذا؟ فخطر على باله فكرة عجيبة، فالأسباط الآن مختلفون مع بعضهم بعضًا، وكل قرية متشابكة ومختلفة مع غيرها، وإذا حدثت أي جريمة وأُلصقت بسبط آخر بقبيلة أخرى من قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة سَتُصدّق وتحدث مشكلة وفتنة كبيرة، وفي نفس الوقت يكون له الحق. كيف ذلك؟ سيقتل الشاب عمه ويقول أن الذي قتله هم الذين في القرية المجاورة له، فيُصدق الناس كلامه؛ وبالتالي يستطيع أن يرث عمه ويتزوج ابنة عمه، ويأخذ دية عمه من القرية الأخرى، فيكسب من كل مكان. ولكنه غير عاقل؛ لأنه سيتسبب في فتنة طائفية لسيدنا موسى وأيضًا في حرب وصراع داخلي بين الطائفتين، كان سيدنا موسى يفصل الأسباط عن بعضهم بعضًا، فكل سبط يأخذ رزقه؛ لأنهم إذا احتكوا بعضهم ببعض ستحدث حرب أهلية ربما يموت فيها الناس. يوجد الآن الكثير من الشباب الطائش الذين لا يفهمون الدين، ويقومون بعمل فتن طائفية بين مسيحين ومسلمين. وتكون النتيجة أزمة كبيرة نُعاني منها، ويتنازع فيها الكبار، وتسيل فيها الدماء بسبب تهور وطيش شاب عنصري. كانت شريعة موسى في ذلك الوقت في حال وجود جثة يجهل قاتلها تحمّل القرية القريبة منها المسئولية، وأراد الشاب أن يقتل عمه، ويضع جثته عند القرية المجاورة له، وشريعة موسى تقول: إذا قُتل شخص، ولم يُستدل على القاتل، فليأتِ من هذه القبيلة خمسون شخصًا من المؤمنين من كبراء القرية ويقولوا من الذي قتله، فإذا لم يعرفوا من الذي قتله، يُقسِمون بالله أن السبط الخاص بهم لم يقتلوه، فإذا أقسموا باليمين لا يُقتل منهم أحد، ولكن يدفعون الدية لأهل القتيل. تنفيذ الخطة: ذهب الشاب إلى عمه، وقال له: أريد أن أبدأ تجارة مع سبط آخر في قرية أخرى، ولكن هذه التجارة لن يوافقوا عليها لأني مازلت صغيرًا، فهل من الممكن أن تأتي معي إلى هذه القرية، وتقول لهم أنك عمي كي تساعدني على أن أحصل على المال؟ فوافق العم وذهب معه إلى القرية، وعندما اقتربوا من القرية، وتأكد الشاب من خلو الطريق قتل عمه، وأسرع إلي قريته كأن لم يحدث شيء، وانتشر الخبر أن رجلًا قد قُتل، فصاح وبكى الشاب، وقال: قُتل عمي، والذي قتله عنصري من هذا السبط، وبدأ الشاب يستعين بالسبط الخاص به، ومشكلة العنصرية لها تاريخ قديم مع بني إسرائيل بينهم وبين بعض على عكس تمامًا المهاجرين والأنصار، وكذلك الأوس والخزرج الذين استطاعوا أن يندمجوا معًا. فبدأ يحدث صراع بينهم. وكادوا أن يقتتلوا، والشاب وافق على ذلك؛ لأنه يريد أن يأخذ ديته، فقال العقلاء منهم لابد أن نذهب إلى موسى ليحكم بيننا، وذهبوا بالفعل إلى سيدنا موسى. حيرة سيدنا موسى تجاه القاتل: وبدأ سيدنا موسى يبحث عن أدلة، ولكنه لم يتمكن من الوصول إلى دليل لمعرفة القاتل، فما الحل وهو يرى بوادر فتنة طائفية ستحدث؟ وإذا بالأمر من سيدنا جبريل لموسى أن يذبحوا بقرة. لماذا يذبحون بقرة؟! وما علاقة ذبح البقرة بهذه القصة؟! فبعد أن تذبحوا البقرة، خذوا جزءًا منها بعد ذبحها، واضربوا الميت بهذا الجزء، فيُقوم الميت ويقول لكم من الذي قتله ثم يعود للموت مرة أخرى، ما هذه الحكمة؟! وما الهدف من قصة البقرة؟! هدف قصة البقرة: تقول الآية: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} (البقرة: 72) فإذا حدث صراع وخلاف يصل إلى أشدّه{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (البقرة: 73) لماذا قصة البقرة، وكان من الممكن أن يقول سيدنا جبريل لسيدنا موسى من القاتل وتنتهي القصة؟! لأن بني إسرائيل لديهم أخطاء كثيرة، ولديهم مشاكل في العقيدة؛ فلديهم ضعف إيماني باليوم الآخر والبعث بعد الموت. جاء سيدنا جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وقال له: "يا محمد، أخبرني عن الإيمان"، فقال سيدنا محمد: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". فبني إسرائيل لديهم مشاكل في جميع هذه النقط؛ لأنهم يؤمنون بالماديات، فيقولون مثلًا: اجعل لنا إلهًا، أرنا الله جهرةً، ولن يرغبوا في سماع كلام غيبي. فما أحسن أمة سيدنا محمد التي وصفت في أول آية: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ...} (البقرة: 3) فيوجد 99,9% من أمة سيدنا محمد يؤمنون باليوم الآخر. ولكن بني إسرائيل كان لديهم صعوبة في هذا الأمر. التعليم بالأحداث: بدأت الأحداث تزداد، وهم يريدون أن يعرفوا الحل، والحل يأتي ليتعلموا العقيدة. لاحظوا أن طريقة القرآن خطيرة وهي "التعليم بالأحداث". فنحن نتعلم تعليمًا نظريًا، مثل: احفظ، واسمع، واكتب، لكن المطلوب هو إصلاح بني إسرائيل، وبناء هذه الأمة. ولذلك ستكون الطريقة غير نظرية على الإطلاق، وهي أن تمارس الحياة وتتعلم أثناء ممارستها، والتشويق مهم جدًا في هذه القصة مثل قصة موسى والخضر. يحدث حدث ويريدون أن يعرفوا الحل، فيأتي التعليم من النقطة التي يريدونها، وهذه هي الطريقة الربانية للتعليم، ولأنكم يا بني إسرائيل ماديون خذوا جزءًا من البقرة بعد ذبحها، واضربوا بها الميت، فيقوم، ويقول من الذي قتله، ففي الدرس السابق ضرب سيدنا موسى الحجر بالعصا فانفجرت المياه، وكان بنو إسرائيل ينتظرون المطر من السماء، فالله يُخرج كل شيء من عكسه كي يعلمك أن "لا إله إلا الله". فيُحي الميت بالميت، ويُخرج المطر من قلب الصخر، ويُحول البحر إلى أرض يمر عليها موسى وأتباعه. فقولوا واشعروا "بلا إله إلا الله". لماذا اختار الله "البقرة": ولكن لماذا اختار الله البقرة ولم يختار حيوانًا آخر؟ لأنهم كانوا يعبدون العجل قديمًا، وما زالت بقايا العجل في أنفسهم. ولذلك تقول الآية: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} فربما كفوا عن عبادة العجل، ولكن هناك شيئًا من التقدير والرهبة للعجل. فما الحل؟ اذبحوها بأيديكم، فلو كان هذا الأمر بدون داع قوي لم يكن ليفعلوه، ولكنهم يريدون أن يعرفوا الحل في هذا الوقت لذلك سيذبحونها. أترون كيف يسوق الله الأحداث ليكشف البشر؟! يا أصحاب النفوس السيئة، ستُساق الأحداث كي تُكتشفوا، قد تخدع الناس جزءًا من الوقت، ولكن من المستحيل أن يخدع كل الناس كل الوقت، وإذا خدعت الناس فلا يمكن أن تخدع رب الناس لأنه سيكشفك. كيف يكشفك؟ يجعل الدنيا والأحداث تضيق عليك حتى تُكتشف وتُفضح. سوء أدب بني إسرائيل: عندما قال سيدنا موسى لبني إسرائيل: اذبحوا بقرة، واضربوا بها الميت فيقوم. قالوا:.. أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ...} (البقرة: 67)، أرأيتم عدم الأدب مع الأنبياء؟! ولذلك خُتمت السورة {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ...} (البقرة: 74) فقلوبكم قاسية كالحجارة، بل الحجر في وسط الصحراء يُنبت زرعًا، وأنتم قلوبكم قاسية لن تُنبت الخير. فهل قلوبنا قاسية أم لا؟ الله أنزل أمطارًا كثيرة من السماء، ولكنه يحب أن يرى منك قطرة دمعة واحدة. كم مرة بكيت من خشية الله؟ متى سجدت آخر مرة بخشوع؟ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال: 2)، هل قلبك مثل الحجارة أم أشد قسوة منها مثل بني إسرائيل؟ فعندما قالوا له: "أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا"قاللهم {... قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (البقرة: 67)، ما أجمل أدب وصبر سيدنا موسى! كان سيدنا محمد على حق عندما قال: "رحم الله أخي موسى، لقد ابتلى أكثر من ذلك فصبر"، فكان يُخفف عن نفسه بهذا. فأراد سيدنا موسى أن يقول لهم أنهم جاهلون، ولكن لم يقل ذلك إلا بطريقة الأدب. يا جماعة، انتقوا الألفاظ للناس، فهناك للأسف بعض الدعاة يسبون الناس على أخطائهم، ويُصيبون أيضًا دعاة مثلهم ويتهمونهم دون أسباب. يا حبذا لو تعلمنا الأدب من سيدنا موسى. وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ: بدأ بنو إسرائيل يُماطلون مماطلة شديدة، فقالوا: ما لونها؟ وما سنها؟ وهل هي كبيرة أو صغيرة؟ ومنذ ذلك الوقت تظهر نفوس بني إسرائيل وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} (البقرة: 72) فهناك خمسة أنواع من النفوس: 1. بعضهم لن يؤمنوا باليوم الآخر ولن يصدقوا قصة البقرة. 2. وبعضهم لا يرغبون في تنفيذ أوامر الله. 3. لا يستطيع بعضهم]أن يذبح بقرة؛ لأنها مُقدّرة ولها هَيبة. لأنهم عبدوها من قبل. 4. وبعضهم متدينون ويؤمنون باليوم الآخر ولا يقدسون البقرة، ولكن لديهم مشكلة في أنفسهم ألا وهي "التشدد". فيُماطلون على شكل البقرة كي يعرفوا أمر الله بالتفصيل. على الرغم أن الله أمرهم أن يذبحوا "بقرة"، ولم يحددها، وقال "بقرة". يقول رسول الله: (هلك المتنطعون). وهذا الصنف من الناس يوجد كثيرًا. 5. وبعضهم مؤمنون يريدون أن يذبحوا البقرة مثل ما أمرهم الله. يا جماعة، لم يكن بنو إسرائيل قطعة واحدة، فمنهم الفاسقون والجاحدون والذي في عقيدته شك وأيضًا المؤمنون. قصة البقرة مع بني إسرائيل: سنفهم الآن ولأول مرة لماذا سُميت "سورة البقرة" بالبقرة؟ {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (البقرة: 67) وانظر إلى المماطلة والجدل {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ} (البقرة: 68) فهي ليست عجوزًا أو بكرًا. {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} (البقرة: 69)، لاحظوا أنها مواصفات بقرة الابن الصالح الذي ذكرناه في بداية القصة، والذي كان يريد وزنها ذهبًا. فبنو إسرائيل لا يريدون أن يذبحوا أي بقرة ولو بأموال قليلة؛ لأنهم لم يصدقوا هذا الكلام، فكما شددّتم سنشددّ عليكم وستدفعون وزنها ذهبًا، لاحظوا أحداث القصة في القرآن وكيف يُربي الله الناس بالأحداث. فما معني كلمة "رب"؟ الرب الذي يُربي عباده، مثل الأب الذي يُربي ابنه أحيانًا بالشدة، وأحيانًا بالتعليم، وأحيانًا بالعطاء، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يُربي البشرية. فإذا الله عاقبك أو أعطاك، فاعلم أنه الرب الذي يُربيك. {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} (الناس:1-3). فقال بنو إسرائيل: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} (البقرة:70) أرأيتم المماطلة؟، هذه صفة "المماطلة المستمرة" في بني إسرائيل. يا جماعة، عندما يوسع الله عليكم، لا تضيقوا على أنفسكم، ولا تسألوا أسئلة كثيرة في الدين حتى لا يضيقها الله عليكم. فقال الله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} (البقرة: 71)، فإنها بقرة لا تعمل في الزراعة، ولا يوجد فيها أي خدش أو علامة. فبحثوا ولم يجدوا إلا بقرة الابن الصالح الوفي والبار لوالده، وهكذا تُساق الأحداث، لينتصر الحق ويُكتشف الشاب الظالم الذي قتل عمه. أخطاء بني إسرائيل في هذه القصة: 1. حادثة الجبل. 2. المماطلة. 3. التشدد في الدين. 4. المادية الشديدة. 5. ضعف الإيمان باليوم الآخر. 6. سوء الأدب مع الأنبياء. 7. بقايا عقائد وثنية قديمة. التيسير وليس التعقيد: فذهب بنو إسرائيل إلى الابن الصالح، وقد بلغ الآن الابن وأصبح شابًا يستطيع أن يبيع البقرة مثل ما قال له والده. فقال بنو إسرائيل له: نريد أن نشتريها منك. فقال: لا أبيعها إلا بوزنها ذهبًا. فذهبوا إلى سيدنا موسى، وقالوا: إنه يريد أن يبيعها بوزنها ذهبًا. فقال لهم: افعلوا ما يشاء، ونفذوا أمر الله. إياك والتشدد في الدين! فما خُير رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا. فسنة نبينا التيسير وليس التعقيد. فالمفتي الحقيقي هو الذي يجد للناس الرخص؛ فيبين لهم الحلال ولا يحرم كل شيء. يقول الإمام مالك: "المفتي الحق هو الذي يجد للناس المخرج لتكون حلالًا". فأحيانًا بتعديل خمسة في المائة يتحول الحرام إلى حلال. أذكر شخصًا كان مدرب كرة مياه في نادي من النوادي، وكان الشباب الذين يلعبون كرة المياه من حمام السباحة يخرجون أمام الناس بملابس مياه ضيقة جدًا. فقال لي المدرب: "إن كثيرًا من العلماء حرموا ذلك، فتركت التدريب وصارحت الشباب بذلك، وأوقفت تدريبهم". فقلت له: "الرياضة تحمي الشباب من المخدرات والتدخين والانحراف"، فقال لي: "ولكن شكل الملابس حرام"، فقلت له: "نعمل تعديل خمسة في المائة"، قال المدرب: "كيف؟" قلت له: "قل لهم عندما تخرجوا من حمام السباحة، ارتدوا ملبسًا آخر على ملبس حمام السباحة حتى لا تصابوا بالبرد، وبالتالي لن يفعلوا ما هو حرام، أليس كذلك؟" فقال لي: "نعم، لا توجد مشكلة في ذلك". نطق الميت: فمن الذي سيدفع وزنها ذهبًا؟ القريتان، فأخذ الغلام وزنها ذهبًا. انتبهوا! فقبل أن يموت الأب قال: اللهم إني أستودعك هذه البقرة. فعندما تستودع شخصًا عزيزًا عليك يسافر، قل له: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. فالرجل استودع بقرة، فبقيت حتى أخذ ابنه وزنها ذهبًا. وظهرت الآن الآية المعجزة. ذبح بنو إسرائيل البقرة، وأخذوا جزءًا منها وضربوا به الميت، فقام الميت. فقال موسى له: من قتلك؟ قال: قتلني ابن أخي ليأخذ مالي، ويتزوج ابنتي. ثم سقط ميتًا. يا لها من معجزة عظيمة! فكم مرة في القرآن أحيا الله الموتى؟ كثير من القصص مثل: أهل الكهف وقصة عُزير. ويوجد في كل دين من الأديان قصة بأن الله أحيا ناسًا بعد موتهم. فاجعل يقينك بالله كبير. إياك وقسوة القلب: انتهت قصة البقرة في حوالي سبع أو ثمان آيات، ولكن خُتمت القصة {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ...} (البقرة: 74)، بعد كل ما فعل الله لهم مازالت قلوبهم قاسية. يا جماعة، هل تذكرون ماذا فعل الله لكم من نعم عديدة؟ فكيف كان حالك من قبل، وحالك الآن؟ أذكر في وقت من الأوقات كنت في زيارة لبعض أصدقائي لم أرهم منذ عشرة سنوات، فكان كل شخص يتحدث عما فعل الله له في العشرة سنوات الماضية. فيذكر أحدهم أنه أنجب أطفالًا، ويقول الثاني أنه فتح شركة كبيرة، والثالث أصبح محاميًا كبيرًا، والرابع اشترى سيارة وغيرها من النعم العديدة، فهل تنسون هذه النعم؟ يا جماعة، ذُكرت قصة بني إسرائيل في القرآن في "سورة البقرة" كي نستفيد منها؛ لأن فيها المشاكل النفسية الموجودة في بني إسرائيل، كأن الله يقول لنا يا أمة سيدنا محمد، لا تقعوا في هذه الأخطاء، وأشدها قسوة القلب. فالله سبحانه وتعالى يحب أن يري منك دمعة وتذلل ومجاهدة معصية وسجود بقلبك حتى لا تقسُ قلوبكم، فالقسوة تأتي من كثرة الذنوب. وكيف نتوب؟ بالعبادة وترك المعصية. عمرو خالد -- قصص القران | |
|